كانت السويد ملاذاً آمناً وسخياً للاجئين في اوروبا قاطبة. فقد استقبلت أكبر عدد من اللاجئين، وتحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد كندا وأستراليا. حسب إحصاءات عام 2015، والتي أظهرت وجود 162877 طلب لجوء، معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان، ويمثل هؤلاء نحو 1.6٪ من سكان السويد البالغ عددهم 10 ملايين نسمة.
بالنسبة لدولة مثل السويد أصبحت علمانية بشكل متزايد خلال العقود الأخيرة ، وقد أثر تدفق المسلمين من البلدان التي مزقتها الحروب بشكل كبير على السياسة والمجتمع حسب الديموقراطيون السويديون الذي يسمون أنفسهم (Sverigedemokraterna)، وهو حزب شعبوي يميني تم إصداره سياسيًا يرتبط بعلاقات قوية مع النازيين الجدد منذ تأسيسه في عام 1988،
وكان هذا الحزب ثالث أكبر حزب في البرلمان السويدي Riksdag. وصعدت مؤخرًا ليحتل المرتبة الثنية بعد الحزب الحاكم بفارق قليل، وقد صاغ بشكل فعال رواية تربط بين اندفاع المهاجرين المسلمين في الغالب إلى تصور تصاعد في جرائم العنف والضغوط المتصورة على نظام الرعاية الاجتماعية السويدي الثمين.
وينجذب السويديون المستاؤون لهذه المخاوف، إلى الإغراء الشعبوي للديمقراطيين السويديين خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والثقافية، وسط أحاديث وتحركات تركز على وقف تدفق المهاجرين، الذي ينتمي أغلبهم للإسلام.
صعود الديمقراطيين في السويد
وتأخذنا محاولة فهم صعود الديمقراطيين السويديين للتفكير في كيفية وجود الحزب في مواجهة المشهد السياسي الموجود مسبقًا في السويد، والذي كان يحكمه تقريبًا إجماع وسطي يؤكد على الإنسانية والرفاهية الاجتماعية. يسانده الحزب الحاكم الحالي “الاشتراكيون الديمقراطيون”، والذي استمر في تولي السلطة خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين باستثناء بضع دورات انتخابية.
بموجب فكرة الفولكهميت أو إنشاء “منزل للناس”، كان الاشتراكيون الديمقراطيون في ثلاثينيات القرن الماضي مسؤولين عن إنشاء الكثير من نظام الرعاية الاجتماعية القوي في السويد. وهو الحزب الأقدم في السويد ويقود حاليًا الحكومة في ائتلاف مع حزب الخضر.
أما ثاني أكبر حزب في الحياة السياسية السويدية فهو حزب المعتدلون، وهو حزب يمين الوسط والمعارض الرئيسي للديمقراطيين الاشتراكيين. وتختلف توجهاته في اتجاه مضاد، فهو يدعم مبادئ السوق الحرة، والليبرالية الاقتصادية، والتخفيضات الضريبية.
وخلال الفترة من عام 2006 إلى عام 2014 كان الحزب الرئيسي في ائتلاف مع الديمقراطيين المسيحيين والليبراليين وحزب الوسط. وعندما أصبح الديموقراطيون السويديون ثالث أكبر حزب في البرلمان السويدي في عام 2018، انقسم هذا التحالف، حيث قدم حزب الليبراليين والوسط الدعم للديمقراطيين الاجتماعيين ورفضوا إقامة قضية مشتركة مع الديمقراطيين السويديين لتشكيل حكومة محافظة.
وعاشت السويد وسط رواية وطنية فخورة بـ “الاستثناءات السويدية” التي أطلقتها للترحيب باللاجئين ومنحهم اللجوء. في حين أن السويديين ربما كانوا يحرسون تجانسهم العرقي قبل ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أنه بحلول الحرب العالمية الثانية، بدأت السويد في قبول المهاجرين النرويجيين واليهود والدنماركيين والإستونيين.
وفي العقود التالية، رحبوا بالإيرانيين بعد الثورة الإسلامية، والتشيليين الفارين من بينوشيه، ولاجئين الحرب من يوغوسلافيا السابقة. وأصبحت السويد ملاذ آمن للآخرين ومصدرًا لفخر السويديين. لكن مع تحرك دول أوروبية أخرى نحو سياسات هجرة أكثر صرامة في التسعينيات، وصولًا للعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انفتحت السويد نحو اللاجئين. مع بعض الاستثناءات، ودعم السياسيون من اليسار واليمين سياسات اللجوء والهجرة السخية التي تفوق بكثير معايير الاتحاد الأوروبي الدنيا.
لكن تغير كل هذا مع أزمة اللاجئين في عام 2015 ، إيذانا بـ “نهاية الاستثنائية السويدية”، عندما غيرت الأحزاب السياسية خطابها وسياساتها ردا على مخاوف من “انهيار النظام” من التدفق الهائل للمهاجرين.
وبحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، أعلن رئيس الوزراء الاشتراكي الديمقراطي ستيفان لوفين إنهاء الأستثنائية قائلًا : “يؤلمني أن السويد لم تعد قادرة على استقبال طالبي اللجوء على المستوى العالي الذي نتمتع به اليوم.
ببساطة لا يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك “، وإنتهز الديمقراطيون السويديون الفرصة بالفعل لتقديم أنفسهم على أنهم الحزب “الأصيل” الوحيد الذي يدعو إلى الحد من الهجرة ليس فقط مؤخرًا ولكن لعقود طويلة.
ومنذ تأسيس حركة الديمقراطيون السويديون عام 1988 نشأ معظمهم على أفكار بشأن تراجع التصنيع، وتخفيضات الإنفاق العام، وارتفاع معدلات البطالة، والتفكك العنيف ليوغوسلافيا ، والذي انعكس على معدل تدفق اللاجئين. ومثل أحزاب اليمين المتطرف الأخرى، طالبوا بتقييد الهجرة في جميع المجالات، لا في وجه المسلمين فقط.
في البداية ، كان للحزب صلات بالفاشية السويدية والقومية البيضاء الصريحة. انتخبوا أندرس كلارستروم رئيسًا للحزب في عام 1989، والذي كان مرتبطًا بحزب عالم الشمال النازي الجديد. وبعد ظهور صور لبعض الأعضاء يرتدون الزي النازي في منتصف التسعينيات، حظر الحزب ارتداء الزي الرسمي من أي نوع وندد صراحة بالنازية في محاولة لتقديم صورة أكثر احترامًا لنفسه.
الديمقراطيون السويديون من الدفاع لاعتلاء مقاعد البرلمان
على الرغم من الأصول المظلمة لهذا الحزب، فقد امتطى الديموقراطيون السويديون مقاعد البرلمان السويدي، وأصبحوا نوابًا للشعب السويدي، وفي استطلاعات للرأي العام أجريت في انتخابات ريكسداغ 2018، حصل الديمقراطيون السويديون على 13 مقعدًا ليصبح المجموع 62، بينما خسر الاشتراكيون الديمقراطيون 13 مقعدًا، وتراجعوا إلى 100.
ومنذ عام 2014، ظل الديمقراطيون السويديون ثالث أكبر حزب في البرلمان. وتتمثل قوتهم الإنتخابية على وجه الخصوص في منطقة Skäne الجنوبية ، ويشكل الديمقراطيون السويديون أكبر حزب في 21 من 33 بلدية في المنطقة منذ عام 2018. ومالبثوا أن صعدوا للمرتبة الثانية ليصبح الحزب ثانيًا بعد الحزب الحاكم، وهو ماينذر يتغييرات زلزالية في التوجهات السياسية لدولة السويد. حسب النتائج الجزئية التي دفعتني للبحث عن أسباب صعود اليمين المتطرف في أكثر الدول الأوروبية ليبرالية لعقود طويلة.
مراحل تطور الحركات اليمينية المتطرفة في السويد
وفي دراسة أجريت على صعود اليمين المتطرف بالسويد، قسم العلماء أندرس هيلستروم وتوم نيلسون وبولين ستولتز تطور الشعبوية في السويد لثلاث مراحل، تعكس تطور الديمقراطيين السويديين.
بدأت المرحلة الأولى قبل عام 2006،
فعندما كان حزب الديمقراطيين بعيدًا إلى حد ما عن الرأي العام، ويُنظر إليه على أنه حركة صغيرة، لكن مع ازدهار النازيين الجدد. في عام 2005، إعتلى حزب الشباب الديمقراطي السويدي زعيمه التاريخي جيمي أوكيسون، وأصبح زعيمًا للحزب منذ ذلك الوقت حتى اليوم، وكان أوكسيون مطور صفحات إنترنت سابق، ومنذ توليه زعامة الحزب سعى لتغيير صورة الحزب بعد طرد العديد من قادة النازيين الجدد.
ويمكن القول إن هذا التغيير قاد الحزب إلى مرحلة ثانية إستمرت أربعة أعوام (2006-2010)، وحاول الحزب الأبتعاد عن الجماعات العنصرية العلنية، واتجه نحو رسالة شعبوية تدعو إلى “الناس العاديين” ضد النخبة الفاسدة في ذروة الركود العالمي. ودفع هذا بالديمقراطيين السويديين إلى وسائل الإعلام والوعي العام.
وحصل الحزب على أول مكاسب انتخابية مهمة في المرحلة الثالثة والتي بدأت عام 2010، عندما دخلوا البرلمان لأول مرة بـ 20 مقعدًا. وما لبث الحزب أن غير رسميًا وصفه الذاتي من “قومي” إلى “محافظ اجتماعيًا” في عام 2011، وفي عام 2012 أدخل سياسة “عدم التسامح مطلقًا مع العنصرية”، والتي طردت أعضاء الحزب ذوي الآراء العامة التي تعتبر عنصرية للغاية.
الغلاف التجميلي لحزب الديمقراطيين لم يشمل نظرته الدموية للمسلمين والإسلام
لم يشمل التغير التجميلية للحزب في تلك الفترة معاداة الحزب الشديدة للإسلام، واحتفظ الحزب بنفس المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين ولم يتم تضمينها في هذا الغلاف القيم الجميل. حيث كان الديمقراطيون السويديون يضعون الأساس لخطاب أكثر تركيزًا على معاداة الإسلام قبل عام 2015 بفترة طويلة، مستمرين في تحديد الإسلام باعتباره العدو الأول للجمهور.
المرحلة الثانية
ففي عام 2009 قال أكيسون “بصفتي ديمقراطيًا في السويد، أرى أن هذا [الإسلام والمسلمون في السويد، هم أكبر تهديد خارجي لنا منذ الحرب العالمية الثانية، وركز أكسين والحزب علي التخويف من مطالة ممثلو المجتمع المسلم البارزون بتطبيق الشريعة الإسلامية في السويد؛
وحذروا مجلس الصحة البلدي السويدي من استخدام الضرائب لختان الفتيان الأصحاء تمامًا؛ وكانوا دائما مايؤكدون أن السويد ستعاني من ارتفاع مستوى الاغتصاب بشكل خيالي، وحاولوا إظهار الرجال المسلمين أنهم سيكونون النسبة الأكثر بين المغتصبين؛ وشمل ذلك التحذير من أن نوادي السباحة السويدية ستقدم جداول زمنية وأحواض السباحة المنفصلة دينياً. وكلها تحذيرات ظهرت في خطابات أكسيون عام 2009.
الدراسات والإحصاءات حول اليمين المتطرف في السويد
في دراسة أجراها دانييل لي تومسون ” DANIELLE LEE TOMSON” عام 2020، قال تومسون: “إن معظم الأشخاص الذين تمت مقابلتهم لم ينضموا إلى الحزب إلا في السنوات الخمس إلى السبع الماضية.
وإستكمل في دراسته الفريدة أن الأبحاث الاستقصائية تظهر أن الديمقراطيين السويديين يتبنون آراء مختلفة بشكل كبير عن المسلمين معاكسة لتلك الموجودة في الأحزاب الأخرى.
ونقل الباحث تومسون عن ستطلاعات للرأي التي أجراها مركز بيو للأبحاث مؤخرًا، أن 59 في المائة من السويديين الذين لديهم رأي إيجابي عن الديمقراطيين السويديين يعبرون عن رأي غير مواتٍ أو معادي لوجود المسلمين في بلادهم. وهي أفكار معاكسة للصورة الذهنية لأولئك الذين لديهم وجهة نظر سلبية عن الديمقراطيين السويديين، والتي أظهرت أن 17 بالمائة فقط يرون المسلمين بشكل سلبي.
من بين السويديين ، كان لدى 70 في المائة مواقف إيجابية تجاه الهجرة في عام 2015، ومع ذلك فإن شكوك الديمقراطيين السويديين المتزايدة تجاه الهجرة تمت صياعتها كقضية سياسية متزايدة الأهمية. انعكست بشكل كبير في حملتهم الإنتخابية عام 2022، والتي استأجروا خلالها قطار مزين بشارتهم كتبوا عليه هذه تذكر ذهاب بلا عودة إلى كابول.
ويؤكد الباحث دانييل لي تومسون في دراسته الهامة أن معظم من قابلهم أقروا بالأصول العنصرية للديمقراطيين السويديين لكنهم أصروا على التأكيد له أن الحزب قد تجاوزهم. واشارة إلى رفض مسؤول حزبي ومهاجر إيراني انضم للحزب في عام 2013 عن وجود مزاعم عنصرية.
ونقل الباحث دانييل لي تومسون عن العضو مخاوفه الأولية وقوله: “كنت أخشى أنه عندما أصبح عضوًا، وعندما كنت قادمًا إلى مقر الحزب في مالمو ، كنت أتوقع كلمات مشينة مثل سيكون هناك علم جنوب ديكسي. لكنني أتيت إلى هنا وكان هناك قهوة وكعك ولم يكن هناك شيء من هذا القبيل. ”
وأشار تومسون إلى تجاهل عدد قليل من أجري مقابلات معهم ذكر ماضي الحزب كما نفوا وجود أجزاء من هذا الماضي، قائلين إن الخصوم السياسيين يلفتون الانتباه إلى الماضي العنصري لنزع الشرعية عن الحزب.
وقد أجرى تومسون دراسة الحالة بهدف تقديم نظرة ثاقبة حول سبب انضمام السويديين إلى الديمقراطيين السويديين وعلاقة ذلك بتصورهم للإسلام. من خلال المقابلات مع الناخبين والمسؤولين الديمقراطيين السويديين بشكل أساسي في منطقة ساكني Skåne ، معقل الحزب الجنوبي، وقدمت هذه الورقة صورة حميمة للديمقراطيين السويديين وإحباطهم من المؤسسة السياسية بشأن هجرة المسلمين ، والتأثير الملحوظ على نظام الرعاية الاجتماعية ، والتداعيات الثقافية في السويد.
والسويد العلمانية الليبرالية. وشارك الأشخاص الذين تمت مقابلتهم بشغف تجاربهم مع التغييرات في السويد، مثل انضمام الأطفال المسلمين إلى فصول أطفالهم، ومشاهدة الجرائم في الأحياء التي تضم المزيد من المهاجرين، وتجربة ما يعتقدون أنه تنازلات دينية للمسلمين الذين “ينبغي” استيعابهم للعلمانيين.
وفي نتائج دراسته الهامة قال تومسون: قد تكون العقيدة الإنسانية لـ “الاستثنائية السويدية” نقطة فخر وطني وعلامة على الهوية السويدية. ولقد تم تحدي هذه القدرة الآن من خلال استقبال أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد في أي دولة أوروبية.
بينما تعدل الحكومة التزاماتها الأكثر طموحًا ومثالية، متسائلًا: ما الذي سيلهم السويديين مع مرور الوقت؟ وما هي مصادر الفخر القومي لأنها تواجه تحديات القرن الحادي والعشرين لاستيعاب السكان المسنين، وأنظمة الرفاهية المتوترة، والتنوع العرقي والديني الأكبر؟ ما هو واجبهم تجاه “الآخر؟” وكان أكبر تساؤلاته عن ماهية القيم السويدية؟
نحن ننتظر المزيد من الدراسات في هذه الصدد، والأكثر أهمية من ذلك أن يدرس المهاجرين كيفية مواجهة تلك الزلازل الشعبوية في دولة كانت الليبرالية الأكبر في أوروبا وتتجه نحو تغيرات من العيار الثقيل لمعاداة الإسلام والمسلمين دونما سبب .
تقرير si السويد الدولية